fbpx
سمات الشيخوخه الفكريه والنفسيه بين الطب والادب

كتبت مقالا قصيرا منذ وقت  قريب حول سمات الشيخوخه الجسديه بين الطب والشعر  ذكرت فيه الهجوم المضرد للشيب في الشعر والوهن في العظام وقدوم الصلع والتجعدات الجلديه والسمنه وفي هذه التغيرات يرى ماثيو آرنولد في كبر السن رحيل الجمال

ماذا يعني ان نكبر؟ ا

هل يعني اختفى مجد وعنفوان الشكل؟

ورحيل بريق العين؟

هل يعني ان يخسر الجمال اكليله؟

نعم كل هذا ولكن ليس هذا فقط

 

اما وليم شكسبير فيستعمل فصول السنه لتبيان على الفروق بين الشباب  الشيخوخه  

الشباب مثل صباح يوم صيفي،

والشيخوخه  مثل الطقس الشتوي،

وكثير من الشيوخ يحاول ان يبعد ظنون الناس (خاصه النساء بينهم) بانه بلغ من العمر ارذله فيقوم بصبغ شعره الذي غزاه الشيب وهذا –حسب ابو الطيب المتنبي صنف من اصناف التنويه لا يروق له بل يساويه بالكذب:  

ومن هوى كل من ليست مموهة*********تركت لون مشيبي غير مخضوب

ومن هوى الصدق في قولي وعادته******رغبت عن شعر في الرأس مكذوب

 

 وفي هذا المقال القصير ايضا ساتطرق الى السمات الفكريه والنفسيه التي قد تطال البعض وليس الكل مع تقدم السن.

   اذا سالت سليمان عن تفاصيل يوم زواجه الذي وقع  قبل سته عقود لاخبرك عنها واستفاض فيها حتى انه سيخبرك  عن اللبس الذي لبسه يومها  والاكل لذي اكله ويعطيك قائمه باسماء كل من حضروا حفله زواجه

.  ولان سالته ماذا اكل في فطوره  اليوم او عن اسم حفيدته المولوده حديثا  لما تمكن من اجابتك وترى في وجهه الم  شديد يعتصره لعدم تذكره اسم حفيدته

. سليمان  عمره ثمانون سنه وكان يدير شركه عالميه كبيره الى ان تقاعد قبل عشر سنوات. وساعود الى سليمان لاحقا في المقال

كمال وعدنان صديقا طفوله كلاهما في السبعين من العمر وقد تقاعدا عن العمل منذ خمس سنين. . لاحظ اقارب كمال انه منذ تقاعده اصبح اكثر سعاده واريحيه واقرب كثيرا الى احفاده الذي لايهمل   فرصه متاحه الا واغدق عليهم فيها  بالهدايا وتحدث اليهم بلطف وحب. بينما لاحظ اقرباء عدنان انه اصبح عدواني التصرف ويجنح الى الغضب  السريع عصبي المزاج  ولا يتحمل وجود احفاده حوله لاكثر من دقائق معدوده

سليمان مصاب  بمرض الزهايمر ومن سمات هذا المرض ان المصاب به  يبداء بفقدان الذاكره لما وقع له  حديثا   بينما  يحتفظ بالذكريات القديمه واضحه قويه لديه ذلك لان مخزنا او مركزا  الذكريات القديمه والحديثه مختلفان في المخ.  والذاكره الحديثه اقرب ما يكون وصفها بانها شبيهه  “بذاكرة الوصول العشوائي” لدي جهاز الكمبيوتر  والقديمه اقرب ماتكون الى “محرك القرص الثابت”

احتمال حصول   الخرف او العته  يزيد مع كبر السن وله اسباب كثيره ومنها القصور في ترويه المخ بالدم  الا ان هناك نوع من انواع الزهايمر  يكون شبه وراثي وفي هذه الحاله يصيب من هم  اقل سنا. ويقال ان احد سبل الوقايه منه ان يستعمل الشخص عقله باستمرار في التمارين العقليه كالمعادلات الحسابيه او الكلمات المتقاطعه وما شابه ذلك  فكما ان التمارين الرياضيه تنمي وتصقل  العضلات فان التمارين الدماغيه تفعل الشئ نفسه للدماغ (او هكذا يقال).

اما كمال وعد نان فقد  شابا  على طرفي نقيض في  حالتهما النفسيه . فمعروف ان البعض -عند بلوغهما الشيخوخه يصيرون اكثر ودا واريحيه وصفاء نفس وهدوء اعصاب  وبذا يقربون انفسهم لذويهم واخرون يحصدون  العكس في نفسيتهم  فيصبحون اقل ودا واكثر مشاكسه وينحون الى سرعه الغضب ويسببون كل اصناف الاذى والقلق  لذويهم ومن هولاء من يكون الاكتئاب الذي يصاحب كبر السن عند البعض سببا في تصرفهم هذا .

 ولعل الفارق الاساس بين كمال وعدنان ن يكمن في  قبول الاول لكبر سنه والتعامل مع ذلك بحكمه واقتدار وعدم قبول الثاني بذلك وعدم قدرته على التعامل  والتكيف معه

الاكتئاب الذي قد يلازم  كبر السن قد لايكون له علاقه بالسن- في حد ذاته -بل بالتقاعد الذي قد يصاحبه العوز المالي والبعد عن اصدقاء العمر في العمل والشعور بانه بات غيرذي فائده او فاعليه بعد سنين طويله تبؤا فيها  مركزا ذا تاثير ( ونرى ذلك تحديدا في من تقاعدوا بعد زمن حافل بالمسئوليه الجسيمه المؤثره ( كالزعماء السياسين وجنرالات الجيش  مثلا) ويبلغ السام والملل عند هولاء مبلغه كما كان حال  زهير بن أبي سلمى  :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش***ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم  

ثم يجب القول ان   الكبر في السن في  كثير من الناس ياتي بفوائد جمه ومنها الشعور بالحريه في القول والفعل وعدم اللفت  لما يقال عنك مع جنوح للتسامح والتغاضي عن من اساء اليك بل  قد يلازمه حب التجديد وتجريب الاشياء لاول مره

 ولا صحه في المثل الانجليزي القديم  القائل ” انك لا تستطيع تعليم الكلب العجور حيل ( يقصدون مهارات) جديده”

 

وقال شاعر في فضل قدوم الشيخوخه:

أهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحباً******أهلاً به من وافد ونزيل

 ورأى لي الشبان فضل جلالة*****لما اكتهلت وكنت غير جليل

فإذا رأوني مقبلاً نهضوا معا******فعل المقر لهيبة التفضيل

 

وكدلاله على شيمه الوفاء والاخلاص عنده يقول ابو  الطيب المتنبي  انه سيبكي الرجوع من المشيب الى الشباب ( وفي ذلك –ان تمعنت فيه- ذم للشيخوخه مغلف بذكاء) :

خلقت وفياً لو رجعت إلى الصبا****لودعت شيبي موجع القلب باكيا

وينبغي  القول ايضا  ان كثيرا من كبار السن تبقى ذاكرتهم وحبهم بل طمعهم في النمو المعرفي متالقا وكثير من قاده العالم لم يستلمواقياده بلدانهم الا في سن متقدمه واثبتوا جداره في ما عملوه ومنهم تشرشل وريغان ومنديللا

 والجاحظ مع كثره امراضه فقد عمٌر طويلاً( قيل ست وتسعون سنه) استمر في انتاجه الوفير الى اخر عمره  وقيل ان تفانيه في الدرس والقرائه كان سبباً في وفاته فقد توفى عند سقوط مكتبته وما احتوت فوق راسه.